النصب الألكتروني.. احتيال مرفق بكلمات تثير الشهية

خـالــد مصطفى قنــاه*: هناك وسائل كثيرة من الاحتيالات التى يقع ضحيتها بعض المحامين والأطباء ورجال الأعمال وبعض الشركات الاستثمارية، من أصحاب النوايا السيئة والطامعين فى الثراء السهل والهين دون بذل أى جهد، هم الأكثر عرضة للنصب والاحتيال.

لا يمكن لأى انسان أن يقدم حاجة مجانية لأى مخلوق لوجه الله، خاصة دون سابق معرفة، فجأة يرسل لك شخص ما، نكرة، غير معروف، رسالة على بريدك الألكتروني، والله أعلم كيف حصل عليه، من جريدة أو من تعليق على خبر أو من صديق أو من شركة مبيعات أو ما شابه ذلك، والرسالة تكون ودية جدا يطلب فيها الكاتب مساعدتك "له أو لها" بتحويل مبلغ كبير من المال لحسابك الشخصى مقابل اعطائك عموله تصل من 5% الى 15% من المبلغ الاجمالى الذى يعلن عنه بأنه خمسة ملايين أو عشرة أو عشرين مليون دولار أمريكي، ونسبة عمولة من خمسة الى خمسة عشر بالمائه من هذا المبلغ الضخم ، تسيل لعاب المرسل اليه، يعنى ستصبح مليونيرا بين ليلة وضحاها.

كثير من المتلقيين لمثل تلك الرسائل الألكترونية يعتقدون أن لا ضير من اعطاء المرسل رقم الحساب واسم وعنوان البنك للمساعدة فى تحويل المبلغ الخيالي، الذى سيحصلون منه على عموله مجزية من خمسة الى خمسة عشر بالمائة، ويرسلون لك أحيانا صورة لفتاة مع صورة لحساب البنك تدعى الفتاة أنها ورثت عن المرحوم أبوها كل تلك الملايين العشرة ولكن أعمامها الشياطين الذين ربما كانوا وراء مقتل أبيها يريدون الهيمنة على المبلغ المودع باسمها كوصية من المرحوم أبوها، والمسكينة عمرها 18 سنة فقط ولا تستطيع التصرف بالمال قبل بلوغها سن الخمسة وعشرين سنة وهى بحاجة لوصى على أموالها فوقع اختيارها عليك "لأنك صاحب شهامة ومروءة " طبعا من دون سابق معرفة، وتريدك أن تقوم باحضارها لكندا وتشرف على ادارة ثروتها وتقوم بتدريسها بالجامعات الكندية وتصرف عليها من مالها بالمعروف حتى تتخرج، ثم تهبك نفسها وتتزوجها حتى ولو كنت متزوجا، فالدين الاسلامى يسمح لك بتعدد الزيجات، وستعطيك نسبة 15 % من المبلغ الأصلى تتصرف به كما تشاء، فقط احميها وخلصها من شرور أعمامها الذين يريدون الاستيلاء على ثروتها التى ورثتها عن المرحوم أبيها.

وحين تبدأ بالتجاوب معها، تبدأ عمليات الابتزاز، تقول لك المبلغ مودع بحساب الأمانات ويحتاج لمصاريف لتخليصه وما عليك الا بالاتصال بمدير البنك "الدكتور أوسمان ألي" عثمان علي.

" Dr. Osman Ali" لقب دكتور لقب كبير يضفى نوعا من الاحترام والطمأنينة فى نفس المتلقي، وحين ما تبدأ بالاتصال الهاتفى ، تجد أنه انسان ساذج وجاهل ولا يجيد اللغه الانجليزية ، لكن الرسالة التى وصلت منه ومنها مكتوبة بلغة محترفة، ويعطيك اجابات ضبابية غير مفهومة ويكثر من الالحاح على ضرورة تحويل مصاريف لانجاز المعاملات لتحرير الحساب من الحجز وتحويله لك كوصى جديد ومؤتمن من قبل الوريثة الشرعية ويبدأ الطلب بمئات الدولارات ، ثم تفاجأ بعد التورط الأول بطلب بضعة آلاف وأن المبلغ فى الطريق لحسابك، وعند الاستجابة الثانية يطلبون مبلغا أكبر لأن هناك وثيقة أخرى يجب تحريرها وتحتاج لخمسة آلاف دولار أخرى، وفجأة تجد نفسك أنك تورطت فى ورطة تجاوزت تكاليفها عشرة آلاف دولار، أعرف شابا ايرانيا تورط بقضية نصب وخداع على الانترنيت وابتزوا منه 65 ألف دولار وذهب بنفسه لنيجيريا مصدر النصب والاحتيال، ولم يجد مخلوقا هناك وعاد بخفى حنين بعد أن لهطوا منه كل تلك المبالغ التى تجاوزت الخمسة وستين ألف دولار، وانتهى الأمر به لخراب بيته وتطليق زوجته وفقدان منزله " كله بسبب الطمع وعدم تمكنه من استقراء الحيل قبل أوانها" .

هناك أسلوب آخر للابتزاز المالي، ففى كندا نظام البنوك يكون لك حساب وتعمل بانتظام وتودع مرتبك كل أسبوعين وتدفع فواتير حسابك بانتظام دون تلكؤ أو تأخير، مما يشكل لدى البنك قناعة بسمو تعاملك معهم، فيعطيك البنك امتيازات كثيرة ، كقبول وديعة مالية كشيك يدخل لحسابك فورا وتستطيع السحب من حسابك بعد مرور ثلاثة أيام كل المبلغ المودع بالحساب حتى قبل تحرير الشيك من مصدره الأصلي، لأن بنكك يتعامل معك بثقه كبيره وأنت المسئول أولا وأخيرا عن كل ما سيحصل فيما بعد، والنصابين العالميين يدركون هذه الحقيقة.

عندى صديق عربى يحمل ماجستير فى الهندسة الكهرو ميكانيكا من الاتحاد السوفيتى ولغته الانجليزية ليست على ما يجب أن تكون، ويعمل مديرا للصيانة فى شركة كبيرة، ويستشيرنى أحيانا ببعض المسائل اللغوية، وصلته رسالة الكترونية من احدى الدول الآسيوية من شركة صينية كبيرة تعينة مستشارا فنيا لأعمال الشركة فى بريتش كولومبيا وبمرتب شهرى قدره 4000 دولار زائد نسبة 10 % من قيمة مبيعات الشركة.

كيف حصلت الشركة على عنوانه الألكتروني؟ حين ما وصل المهندس العربى لكندا، قمت بمساعدته بكتابة ملخص للسيرة الذاتية لحياته العلمية وخبراته العملية "حسب الأصول المتبعة" وقام بارسال الوثيقة عبر الانترنيت لمعظم الشركات المدونة على الانترنيت، وما لبث أن انهالت عليه العروض الكبيرة والصغيرة من الشركات الصناعية، وأخيرا استقر بعمل محترم لدى شركة كبيرة، ولكن ما زالت العروض تصله من شركات حقيقية ووهمية أيضا، ومن جملة العروض التى أطلعنى عليها كان عرض الشركة الصينية بتعينه مستشارا فنيا للمبيعات وفحص المشتريات والتأكد من سلامتها قبل استلامها وشحنها للشركة مقابل مرتب 4000 دولار بالشهر ويحق له الاحتفاظ بوظيفته الحالية مع عمولة مبيعات بعشرة بالمائة، عرض مغر بلا شك ولا يحتاج من وقته أكثر من بضعة ساعات شهريا، فكتبت له ردا بقبول العرض، وأرسلوا له رسالة موافقه وتهنئة بالتعيين، وبعد أسبوعين تلقى رسالة من نفس الشركه تعلمة أن الشركة باعت بضاعة بمبلغ 62500 دولار وما عليه سوى استلام الشيك وايداع المبلغ فى حسابه بالبنك "لأن الشيك فعلا وصل محررا باسمه الشخصى كمستشار رسمى للشركة الصينية" وتقول الرسالة اقتطع من القيمه نسبة 10 % كنصيبك من العمولة " 6250 " وحوّل الينا الباقى " 56250 " دولار، فقلت له اننى أشتم رائحة نصب واحتيال بالموضوع، فأرجوك أن تستشير مدير البنك بالأمر قبل الشروع بارسال مبلغ كبير كهذا ستصبح يوما ما مسئولا عن رده للبنك، وبالفعل استشار مدير البنك وقال له المدير سنفتح لك حسابا خاصا ونودع الشيك فيه وعليك التريث لمدة قبل الاسراع بتحويل المبلغ للشركه الصينية، لأن المسألة ستأخذ أحيانا سنتين من التحريات للتأكد من أن الشيك مسروق أو مزوّر وستكون مسؤولا عن كامل المبلغ زائد الغرامة المترتبة والفوائد المستحقة، وكان هذا ما فعله، وبدأت الاتصالات والالحاحات المتكررة بضرورة تحويل المبلغ بالسرعه القصوى، ويرد عليهم، المبلغ مودع بالبنك وتعالوا واستلموه متى شئتم، أما أن أتورط بتحويل المبلغ الكبير قبل تحرير الشيك وايدع الرصيد فى حسابي، فهذا أمر غير مقبول، وبالفعل توقفت الاتصالات، وعاد الشيك مرفوضا لعدم توفر رصيد كافى فى الحساب، وكانت مجازاته فقط عشرون دولارا غرامه لرجوع الشيك بلا رصيد كاف، اخيرا، احذروا الاحتيال الذكى المرفق بكلمات معسولة تثير الشهية.